«ديك رومي» قصة قصيرة للكاتب الدكتور حارص عمار النقيب

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

- عندما تصل إلى أبي؛ أبلغه مني السلام.

قالتها والابتسامة العريضة تزين وجهها، ثم قامت بتمزيق ثيابها، وكشفت عن رأسها، فإذا هي حليقة، وجهها ملئ بالشعر، بعينين أضناهما السهر، يعلوهما حاجبان كثيفان.

تركته جالسًا على الأريكة، لا يعرف هل يضحك أم يبكي؟ لا يعرف هل يقوم ويغادر أم يضطجع مكانه؟، واستدارت نحو مرآة قديمة، محطم إطارها إلا من قليل، ونظرت إليها، ومن ثم قالت تخاطبه:

-        هذه المرآة التي حلق عليها لحيته والدي لآخر مرة.

نظرت إليه وهو يشعر بمقدمات المرض، ويحاول الاستعداد للزائر الرهيب، ثم قالت وهي تعيد النظر إلى المرآة مرة أخرى:

-        لقد آن الأوان لهذه الرأس أن ينمو شعرها.

وأشارت إلى رأسها الحليق، مسحت على وجهها، ولمست حاجبيها، ثم اتجهت لكوة في بطن الحائط مغطاة بالقماش، وأخرجت من داخلها مكحلة، وأخذت تزين عينيها، ثم نظرت إلى ذلك المضطجع قسرًا على الأريكة وقالت:

-        وآن الأوان للتزين، وإزالة وجه الرجل، وبزوغ وجه المرأة الجميل، هل تتذكر جمالي، أم أن السنوات الخمس أنستك؟

-        ............

لم يرد عليها، ولكنه اكتفى بابتسامة، تحولت إلى ضحكة كالصفير، وانتهت بآهات لا تنتهي، مع ضم ركبتيه إلى بطنه، والقبض عليهما بيديه.

-        ما رأيك بطعم الديك الرومي؟

-        ............

-        هل أعجبك طعمه، أم أنى لا أجيد الطهي؟

-        ............

-        لقد استمر الطهي ثلاث سنوات، بدون كلل أو ملل، وكانت دموعي وذكريات أبي النار التي تنضجه.

-        ............

-        بطنك تتمزق!؟ نعم، أدري ذلك، وأتمنى من الله أن يطول ذلك، لأول مرة في حياتي أتمنى ألا تموت، أتعرف لماذا؟

-        ............

-        حتى يطول عذابك، وأن أستمتع بألمك.

-        علمت أنك تعشق الديك الرومي، اشتريته صغيراً، وأطعمته، حتى صار كما رأيت، وانتظرت، وأرسلت إليك من أوحى لك بأن موضوع أبي قد انتهي، هل تتذكر؟

-        ............

-        كان ذلك منذ عام، وبدأت أمد إليك جسور الوصل، والثقة، حتى كان يومك، هل تتذكر؟

-        ............

-        لماذا أنا أسألك! فآهاتك تشغلك عن الإجابة، والقادم يشغلك عن الحاضر، والماضي.

قامت من أمامه نحو الباب ففتحته، ومن ثم أشارت إليه بالخروج، حاول القيام أو حتى الجلوس؛ ولكن لم يستطع، فزحف على يديه وركبتيه، تاركًا خلفه شريطًا طويلًا مما يخرج من بطنه من خلال كل منافذه، وعندما وصل إلى قدميها، قالت:

-        والله، ما يمنعني عن ركلك بقدمي؛ مكانتك من أمي، فأنت أخوها، يا خال كما تدين تدان، وأنت قتلت والدي منذ خمس سنوات، وقد كان اليوم تنفيذ الحكم عليك، ذلك الحكم المؤجل من سنوات، ولكن يا خال... لماذا قتلت أبي؟

-        ............

-        هل لأجل الميراث!؟ أنت تعرف أني لم أحب ابنك ووحيدك، ولكن وافقت على الزواج منه، من أجل هذه اللحظة.

لم يرد عليها، ولكن نظر إليها، وانكفأ يقبل قدميها، وهو يغالب الآهات، ويزحف تجاه الباب.

-        ............

-        يا خال، أعرف طمعك في أرض أبي، وأعرف أيضًا أنك اتفقت مع ابنك على قتلي، لذلك أبقيت لابنك من نفس طعام الديك الذي تعشقه، ذلك الديك من يأخذ من لحمه مضغة، مجرد مضغة صغيرة، لن تشرق عليه شمس مرة أخرى.

-        ............

-        وبعد رحيلك، سوف تعود كل أراضي والدي إليَّ، بالإضافة إلى أرضك؛ لأن وحيدك سوف يلحقك.

-        ............

لم يرد عليها، فقط اكتفى بالنظر إليها، والتعلق بقدميها، والبكاء على عتبة الحجرة، ليس خوفًا منها؛ ولكن ربما يكون خوفًا من الموت، أو رأفةً بابنه؛ الذي يسير إلى نهايته بدون قدرته حتى على تحذيره.

-        لا تخف يا خال، هل دموعك هذه خوفًا علىَّ من السجن؟ أو الإعدام؟ وانتقال الأرض إلى آخرين؛ تلك الأرض التي فعلت من أجلها كل حرام، من اغتصاب ونهب وسلب، وقتل، وصل بك الأمر إلى قتل زوج أختك.

نظرت إليه، ثم سبقته إلى باب الحجرة الموارب، حيث أكملت فتحه؛ ليخرج منه زاحفًا على بطنه بعد اشتداد الألم عليه، حتى وصل إلى باب الدار، حيث خرج، وقبل أن تغلقه، وصل إليه صوت ابنه من الداخل يقول لزوجته:

-        "لماذا أنتِ لدى الباب؟ هل كان هناك أحد قادم لزيارتنا؟"

ردت عليه، وهي تغلق الباب ببطء، بشكل متعمد؛ حتى يسمع خالها أن مصير ابنه اقترب، ليلحق به.

-        لا أحد، ربما تكون الريح هزت الباب؛ فاعتقدت أن هناك من يطرقه، وعندما فتحته لم أجد أحدًا.

نظرت إلى خالها وأب زوجها وهو يحبو كطفل، ودون أن تلتفت إلى زوجها، وكأنها تبلغ خالها بتحقق هدفها، حيث قالت وهي تبتسم ابتسامة ساخرة:

-        الأكل جاهز عندك، اذهب يا غالي لتناول طعامك، إنه ديك رومي.